كثيرة هي المواقف التي تضطرنا إلى الانسحاب أحيانا، من حياة بعضهم، من أمكنة لم تعد تحتملنا، من مدن، من قرى، من علاقات فاشلة، وفي بعض الأحيان من أنفسنا، يطول عليك الطريق فتنسحب، تغلق عليك الأبواب؛ فتجد في الانسحاب المآل الأخير، يرغمك بعضهم لتنسحب…
التاريخ ككل يشهد صورا وأنماطا ونماذج لحالات انسحاب مثيرة، تارة بطعم المرارة وتارة بطعم القوة.
رغم أنها كانت أحب بلاد الله إليه، اضطر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى الانسحاب من مكة، حينما ازداد مكر قريش له وللمسلمين، فانسحب رسول الله في مشهد؛ شكل ضربة لقريش آنذاك. انسحب رسول الله قائلا “… لو أن أهلك لم يخرجوني منك ما خرجت”.
في أحد مؤتمرات دافوس اضطر “أردوغان” رئيس وزراء تركيا إلى الانسحاب حينما احتج على إعطاء الرئيس الصهيوني شمعون بيريز وقتا أكثر بكثير من المخصص له، حول الحرب الصهيونية على غزة، انسحاب “أردوغان” لم يكن عيبا أو ضعفا، وإنما انسحابه كان قوة زادته شهرة وتعاطفا عالميين جراء موقفه الشجاع.
انسحب الحارس السابق لفريق الجيش الملكي في مشهد أقرب إلى السريالية حينما دخلت مرماه ضربة جزاء بطريقة لم يشهد تاريخ الكرة مثيلا لها، شاهدها العالم أجمع عبر شاشات الكمبيوتر؛ ليعود بعد ذلك من أقوى حراس بطولة المغرب، حاميا شباك أعرق الفرق المغربية.
كما يشهد التاريخ أيضا أن أفضل الانسحابات الحربية بدأت مع خالد بن الوليد حينما انسحب من غزوة “مؤتة” ضد الروم بعد ستة أيام كاملة، قام قائد الجيش خالد بن الوليد بانسحاب تكتيكي ناجح وبأقل الخسائر، خطته مازالت تعدّ من أفضل الخطط الحربية التكتيكية.
كما توجد انسحابات بطعم الفوز والقوة، هناك انسحابات كثيرة بطعم المرارة والحسرة.
انسحب صدام حسين من الكويت يجر أذيال الهزيمة بعد احتلاله الظالم لدولة ذات سيادة وعضو في منظمة الأمم المتحدة متحديا كل الأعراف الدولية.
انسحب القذافي من طرابلس مطأطئ الرأس بعدما ملأ الأرض صراخا هو أبناؤه في مشهد دراماتيكي عايناه على جل شاشات التليفزيون.
انسحب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بطريقة الهروب دون سابق إشعار.
انسحب الرئيس المصري حسني مبارك مستسلما أمام ضغط الجماهير، مبررا انسحابه بكونه لم يكن ينوي الترشح مرة أخرى حفاظا لماء وجهه.